الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: “ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ “، حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ “ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ “، يَقُولُ: وَلِيُسَدِّدَكُمْ “ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ “، يَعْنِي: سُبُلَ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ، وَمَنَاهِجِهِمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ مِنْ نِكَاحِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَسَائِرِ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَيَّنَ فِيهِمَا مَا حَرَّمَ مِنَ النِّسَاءِ “ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ “، يَقُولُ: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يَرْجِعَ بِكُمْ إِلَى طَاعَتِهِ فِي ذَلِكَ، مِمَّا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ فِي فِعْلِكُمْ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقَبْلَ أَنْ يُوحِيَ مَا أوحَى إِلَى نَبِيِّهِ مِنْ ذَلِكَ “ عَلَيْكُمْ “، لِيَتَجَاوَزَ لَكُمْ بِتَوْبَتِكُمْ عَمَّا سَلَفَ مِنْكُمْ مِنْ قَبِيحِ ذَلِكَ قَبْلَ إِنَابَتِكُمْ وَتَوْبَتِكُمْ “ وَاللَّهُ عَلِيمُ “، يَقُولُ: وَاللَّهُ ذُو عِلْمٍ بِمَا يُصْلِحُ عِبَادَهُ فِي أَدْيَانِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَبِمَا يَأْتُونَ وَيَذَرُونَ مِمَّا أَحَلَّ أَوْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ، حَافَظٌ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْهِمْ “ حَكِيمٌ “ بِتَدْبِيرِهِ فِيهِمْ، فِي تَصْرِيفِهِمْ فِيمَا صَرَّفَهُمْ فِيهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: “ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ “. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: يُرِيدُ اللَّهُ هَذَا مِنْ أَجْلِ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ. وَقَالَ: ذَلِكَ كَمَا قَالَ: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [سُورَةُ الشُّورَى: 15] بِكَسْرِ “ اللَّامِ “، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أُمِرْتُ بِهَذَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. وَقَالُوا: مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ التَّعْقِيبُ بَيْنَ “ كَيْ “ وَ“ لَامِ كَيْ “ وَ“ أَنْ “، وَوَضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَوْضِعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ أُخْتِهَا مَعَ “ أَرَدْتُ “ وَ“ أَمَرْتُ “. فَيَقُولُونَ: “ أَمَرْتُكَ أَنْ تَذْهَبَ، وَلِتَذْهَبَ “، وَ“ أَرَدْتُ أَنْ تَذْهَبَ وَلِتَذْهَبَ “، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِ الْعَالَمِينَ) [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 71]، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 14]، وَكَمَا قَالَ: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ) [سُورَةُ الصَّفِّ: 8]، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا) [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 32]. وَاعْتَلُّوا فِي تَوْجِيهِهِمْ “ أَنْ “ مَعَ “ أَمَرْتُ “ وَ“ أَرَدْتُ “ إِلَى مَعْنَى “ كَيْ “، وَتَوْجِيهِ “ كَيْ “ مَعَ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى “ أَنْ “، لِطَلَبِ “ أَرَدْتُ “ وَ“ أَمَرْتُ “ الِاسْتِقْبَالَ، وَأَنَّهَا لَا يَصْلُحُ مَعَهَا الْمَاضِي، لَا يُقَالُ: “ أَمَرْتُكُ أَنْ قُمْتَ “، وَلَا “ أَرَدْتُ أَنْ قُمْتَ “. قَالُوا: فَلَمَّا كَانَتْ “ أَنْ “ قَدْ تَكُونُ مَعَ الْمَاضِي فِي غَيْرِ “ أَرَدْتُ “ وَ“ أَمَرْتُ “، وَكَّدُوا لَهَا مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ بِمَا لَا يَكُونُ مَعَهُ مَاضٍ مِنَ الْأَفْعَالِ بِحَالٍ، مِنْ “ كَيْ “ وَ“ اللَّامِ “ الَّتِي فِي مَعْنَى “ كَيْ “. قَالُوا: وَكَذَلِكَ جَمَعَتِ الْعَرَبُ بَيْنَهُنَّ أَحْيَانًا فِي الْحَرْفِ الْوَاحِدِ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ فِي الْجَمْعِ: أَرَدْتَ لِكَيْمَـا أَنْ تَطِـيرَ بِقِـرْبَتِي فَتَتْرُكَهَـا شَـنًّا بِبَيْـدَاءَ بَلَقْـعِ فَجَمْعَ بَيْنِهِنَّ، لِاتِّفَاقِ مَعَانِيهِنَّ وَاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِنَّ، كَمَا قَالَ الْآخَرُ: قَـدْ يَكْسِـبُ الْمَـالَ الْهِـدَانُ الْجَـافِي بِغَـيْرِ لَا عَصْـفٍ وَلَا اصْطِـرَافِ فَجَمْعَ بَيْنَ “ غَيْرِ “ وَ“ لَا “، تَوْكِيدًا لِلنَّفْي. قَالُوا: إِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ “ أَنْ “ مَكَانَ “ كَيْ “، وَ“ كَيْ “ مَكَانَ “ أَنْ “، فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي لَا يَصْحَبُ جَالِبَ ذَلِكَ مَاضٍ مِنَ الْأَفْعَالِ أَوْ غَيْرُ الْمُسْتَقْبَلِ. فَأَمَّا مَا صَحِبَهُ مَاضٍ مِنَ الْأَفْعَالِ وَغَيْرُ الْمُسْتَقْبَلِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ. لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَالَ: “ ظَنَنْتُ لِيَقُومَ “، وَلَا “ أَظُنُّ لِيَقُومَ “، بِمَعْنَى: أَظُنُّ أَنْ يَقُومَ لِأَنَّ [“ أَنْ “]، الَّتِي تَدْخُلُ مَعَ الظَّنِّ تَكُونُ مَعَ الْمَاضِي مِنَ الْفِعْلِ، يُقَالُ: “ أَظُنُّ أَنْ قَدْ قَامَ زَيْدٌ “، وَمَعَ الْمُسْتَقْبَلِ، وَمَعَ الْأَسْمَاءِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي، قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ “ اللَّامَ “ فِي قَوْلِهِ: “ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ “، بِمَعْنَى: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ عِلَّةِ مَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُرَاجِعَ بِكُمْ طَاعَتَهُ وَالْإِنَابَةَ إِلَيْهِ، لِيَعْفُوَ لَكُمْ عَمَّا سَلَفَ مِنْ آثَامِكُمْ، وَيَتَجَاوَزَ لَكُمْ عَمَّا كَانَ مِنْكُمْ فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ، مِنَ اسْتِحْلَالِكُمْ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ مِنْ نِكَاحِ حَلَائِلِ آبَائِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كُنْتُمْ تَسْتَحِلُّونَهُ وَتَأْتُونَهُ، مِمَّا كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ لَكُمْ إِتْيَانُهُ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ “ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ “، يَقُولُ: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ فِيهَا “ أَنْ تَمِيلُوا “ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَتَجُورُوا عَنْهُ بِإِتْيَانِكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَرُكُوبِكُمْ مَعَاصِيَهُ “ مَيْلًا عَظِيمًا “، جَوْرًا وَعُدُولًا عَنْهُ شَدِيدًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ “ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ “. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الزُّنَاةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: “ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ “، قَالَ: الزِّنَا “ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا “، قَالَ: يُرِيدُونَ أَنْ تَزْنُوا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا “، أَنْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ، تَزْنُونَ كَمَا يَزِنُونَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ “، قَالَ: الزِّنَا “ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا “، قَالَ: يَزْنِي أَهْلُ الْإِسْلَامِ كَمَا يَزْنُونَ. قَالَ: هِيَ كَهَيْئَةِ: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [سُورَةُ الْقَلَمِ: 9]. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ وَرَقَّاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ “، قَالَ: الزِّنَا “ أَنْ تَمِيلُوا “، قَالَ: أَنْ تَزْنُوا. وَقَالَ آخَرُونَ، بَلْ هُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ “، قَالَ: هُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى “ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا “. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ الْيَهُودُ خَاصَّةً، وَكَانَتْ إِرَادَتُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعَ شَهَوَاتِهِمْ فِي نِكَاحِ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ نِكَاحَهُنَّ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يُحَلِّلُونَ نِكَاحَ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ، أَنْ تَمِيلُوا عَنِ الْحَقِّ فَتَسْتَحِلُّوهُنَّ كَمَا اسْتَحَلُّوا. وَقَالَ آخَرُونَ. مَعْنَى ذَلِكَ: كُلُّ مُتْبِعٍ شَهْوَةً فِي دِينِهِ لِغَيْرِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبَدَ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: “ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ “ الْآيَةَ، قَالَ: يُرِيدُ أَهْلُ الْبَاطِلِ وَأَهْلُ الشَّهَوَاتِ فِي دِينِهِمْ، أَنْ تَمِيلُوا فِي دِينِكُمْ مَيْلًا عَظِيمًا، تَتَّبِعُونَ أَمْرَ دِينِهِمْ، وَتَتْرُكُونَ أَمْرَ اللَّهِ وَأَمْرَ دِينِكُمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ وَطُلَّابِ الزِّنَا وَنِكَاحِ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْآبَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ “ أَنْ تَمِيلُوا “ عَنِ الْحَقِّ، وَعَمَّا أَذِنَ اللَّهُ لَكُمْ فِيهِ، فَتَجُورُوا عَنْ طَاعَتِهِ إِلَى مَعْصِيَتِهِ، وَتَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ فِي اتِّبَاعِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِكُمْ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَتَرْكِ طَاعَتِهِ “ مَيْلًا عَظِيمًا “. وَإِنَّمَا قُلْنَا، ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّ بِقَوْلِهِ: “ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ “، فَوَصَفَهُمْ بِاتِّبَاعِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمُ الْمَذْمُومَةِ، وَعَمَّهُمْ بِوَصْفِهِمْ بِذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ وَصْفِهِمْ بِاتِّبَاعِ بَعْضِ الشَّهَوَاتِ الْمَذْمُومَةِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَوْلَى الْمَعَانِي بِالْآيَةِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهَا، دُونَ بَاطِنِهَا الَّذِي لَا شَاهِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ دَاخِلًا فِي “ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ “ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى، وَالزُّنَاةُ، وَكُلُّ مُتَّبِعٍ بَاطِلًا. لِأَنَّ كُلَّ مُتَّبِعٍ مَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ، فَمُتَّبِعٌ شَهْوَةَ نَفْسِهِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ أَوْلَى، وَجَبَتْ صِحَّةُ مَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: “ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ “، يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُيَسِّرَ عَلَيْكُمْ، بِإِذْنِهِ لَكُمْ فِي نِكَاحِ الْفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ إِذَا لَمْ تَسْتَطِيعُوا طَوْلًا لِحُرَّةٍ “ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا “، يَقُولُ: يَسَّرَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ إِذَا كُنْتُمْ غَيْرَ مُسْتَطِيعِي الطَّوْلِ لِلْحَرَائِرِ، لِأَنَّكُمْ خُلِقْتُمْ ضُعَفَاءَ عَجَزَةً عَنْ تَرْكِ جِمَاعِ النِّسَاءِ، قَلِيلِي الصَّبْرِ عَنْهُ، فَأَذِنَ لَكُمْ فِي نِكَاحِ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ عِنْدَ خَوْفِكُمُ الْعَنَتَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَمْ تَجِدُوا طَوْلًا لِحُرَّةٍ، لِئَلَّا تَزْنُوا، لِقِلَّةِ صَبْرِكُمْ عَلَى تَرْكِ جِمَاعِ النِّسَاءِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ “ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ فِيهِ يُسْرٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: “ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا “، قَالَ: فِي أَمْرِ الْجِمَاعِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: “ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا “، قَالَ: فِي أَمْرِ النِّسَاءِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: “ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا “، قَالَ: فِي أُمُورِ النِّسَاءِ. لَيْسَ يَكُونُ الْإِنْسَانُ فِي شَيْءٍ أَضْعَفَ مِنْهُ فِي النِّسَاءِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: “ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ “، قَالَ: رَخَّصَ لَكُمْ فِي نِكَاحِ هَؤُلَاءِ الْإِمَاءِ، حِينَ اضْطُرُّوا إِلَيْهِنَّ “ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا “، قَالَ: لَوْ لَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِيهَا، لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ، إِذَا لَمْ يَجِدْ حُرَّةً.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا “، صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ “ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ “، يَقُولُ: لَا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ أَمْوَالَ بَعْضٍ بِمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ، مِنَ الرِّبَا وَالْقِمَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهَا “ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً “. كَمَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ “، أَمَّا “ أَكْلُهُمْ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَهُمْ بِالْبَاطِلِ “، فَبِالرِّبَا وَالْقِمَارِ وَالْبَخْسِ وَالظُّلْمِ “ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً “، لِيَرْبَحَ فِي الدِّرْهَمِ أَلْفًا إِنِ اسْتَطَاعَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الطَّحَّانُ، قَالَ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: “ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ “، قَالَ: الرَّجُلُ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ فَيَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا دِرْهَمًا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنَ الرَّجُلِ الثَّوْبَ فَيَقُولُ: “ إِنْ رَضِيتَهُ أَخَذْتَهُ وَإِلَّا رَدَدْتَهُ وَرَدَدْتَ مَعَهُ دِرْهَمًا “، قَالَ: هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: “ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ “. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ أَنْ يَأْكُلَ بَعْضُهُمْ طَعَامَ بَعْضٍ إِلَّا بِشِرَاءٍ. فَأَمَّا قِرًى، فَإِنَّهُ كَانَ مَحْظُورًا بِهَذِهِ الْآيَةِ، حَتَّى نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي “ سُورَةِ النُّورِ “: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) الْآيَةَ [سُورَةُ النُّورِ: 61].
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَا فِي قَوْلِهِ: “ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ “ الْآيَةَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَتَحَرَّجُ أَنَّ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ مَا نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَنُسِخَ ذَلِكَ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي “ سُورَةِ النُّورِ “، فَقَالَ: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ) إِلَى قَوْلِهِ: (جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا) فَكَانَ الرَّجُلُ الْغَنِيُّ يَدْعُو الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِهِ إِلَى الطَّعَامِ، فَيَقُولُ: “ إِنِّي لَأَتَجَنَّحُ “! وَ“ التَّجَنُّحُ “ التَّحَرُّجُ وَيَقُولُ: “ الْمَسَاكِينُ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي “! فَأَحَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأَحَلَّ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، قَوْلُ السُّدِّيِّ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَرَّمَ أَكْلَ أَمْوَالِنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ أَكْلَ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْنَا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحِلَّ قَطُّ أَكْلَ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: “ كَانَ ذَلِكَ نَهْيًا عَنْ أَكْلِ الرَّجُلِ طَعَامَ أَخِيهِ قِرًى [عَلَى وَجْهِ مَا أَذِنَ لَهُ]، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، لِنَقْلِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ جَمِيعًا وَجُهَّالِهَا: أَنَّ قِرَى الضَّيْفِ وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ كَانَ مِنْ حَمِيدِ أَفْعَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْإِسْلَامِ الَّتِي حَمِدَ اللَّهُ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَنَدَبَهُمْ إِلَيْهَا، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ فِي عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ، بَلْ نَدَبَ اللَّهُ عِبَادَهُ وَحَثَّهُمْ عَلَيْهِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَهُوَ مِنْ مَعْنَى الْأَكْلِ بِالْبَاطِلِ خَارِجٌ، وَمِنْ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا أَوْ مَنْسُوخًا بِمَعْزِلٍ. لِأَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْسُوخٍ، وَلَمْ يَثْبُتِ النَّهْيُ عَنْهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِالْإِبَاحَةِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، صَحَّ الْقَوْلُ الَّذِي قُلْنَاهُ: مِنْ أَنَّ الْبَاطِلَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْ أَكْلِ الْأَمْوَالِ بِهِ، هُوَ مَا وَصَفْنَا مِمَّا حَرَّمَهُ عَلَى عِبَادِهِ فِي تَنْـزِيلِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَذَّ مَا خَالَفَهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: “ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ “. فَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ) رَفْعًا، بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ تُوجَدَ تِجَارَةٌ، أَوْ: تَقَعَ تِجَارَةٌ، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ، فَيَحِلَّ لَكُمْ أَكْلُهَا حِينَئِذٍ بِذَلِكَ الْمَعْنَى. وَمَذْهَبُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: “ إِلَّا أَنْ تَكُونَ “ تَامَّةٌ هَاهُنَا، لَا حَاجَةَ بِهَا إِلَى خَبَرٍ، عَلَى مَا وَصَفْتُ. وَبِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ قَرَأَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ، وَهُمْ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً)، نَصْبًا، بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ الَّتِي تَأْكُلُونَهَا بَيْنَكُمْ، تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ، فَيَحِلَّ لَكُمْ هُنَالِكَ أَكْلُهَا. فَتَكُونُ “ الْأَمْوَالُ “ مُضْمَرَةً فِي قَوْلِهِ: “ إِلَّا أَنْ تَكُونَ “، وَ“ التِّجَارَةُ “ مَنْصُوبَةً عَلَى الْخَبَرِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدَنَا صَوَابٌ جَائِزَةٌ الْقِرَاءَةُ بِهِمَا، لِاسْتِفَاضَتِهِمَا فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ، مَعَ تَقَارُبِ مَعَانِيهِمَا. غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ ذَلِكَ بِالنَّصْبِ، أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ بِالرَّفْعِ، لِقُوَّةِ النَّصْبِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي “ تَكُونَ “ ذِكْرًا مِنَ الْأَمْوَالِ. وَالْآخَرُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا ذِكْرًا مِنْهَا، ثُمَّ أُفْرِدَتْ بِـ “ التِّجَارَةِ “، وَهِيَ نَكِرَةٌ، كَانَ فَصِيحًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ النَّصْبُ، إِذْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى اسْمٍ وَخَبَرٍ. فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ مَعَهَا إِلَّا نَكِرَةٌ وَاحِدَةٌ، نَصَبُوا وَرَفَعُوا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: إِذَا كَانَ طَعْنًا بَيْنَهُمْ وَعِنَاقَا *** قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ إِبَانَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ تَكْذِيبِ قَوْلِ الْجَهَلَةِ مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ الْمُنْكِرِينَ طَلَبَ الْأَقْوَاتِ بِالتِّجَارَاتِ وَالصِّنَاعَاتِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ “، اكْتِسَابًا مِنَّا ذَلِكَ بِهَا، كَمَا:- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ “، قَالَ: التِّجَارَةُ رِزْقٌ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ، وَحَلَالٌ مِنْ حَلَالِ اللَّهِ، لِمَنْ طَلَبَهَا بِصِدْقِهَا وَبِرِّهَا. وَقَدْ كُنَّا نُحَدَّثُ: أَنَّ التَّاجِرَ الْأَمِينَ الصَّدُوقَ مَعَ السَّبْعَةِ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ عَنْ تَرَاضٍ “، فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَمَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: “ عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ “، فِي تِجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ، أَوْ عَطَاءٍ يُعْطِيهِ أَحَدٌ أَحَدًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ “ فِي تِجَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ عَطَاءٍ يُعْطِيهِ أَحَدٌ أَحَدًا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ، وَالْخِيَارُ بَعْدَ الصَّفْقَةِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَغُشَّ مُسْلِمًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: الْمُمَاسَحَةُ، بَيْعٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا حَتَّى يُخَيِّرَهُ التَّخْيِيرَ بَعْدَ مَا يَجِبُ الْبَيْعُ، إِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى “ التَّرَاضِي “ فِي التِّجَارَةِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يُخَيِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَعْدَ عَقْدِهِمَا الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا فِيمَا تَبَايَعَا فِيهِ، مِنْ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ نَقْضِهِ، أَوْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا الَّذِي تَوَاجَبَا فِيهِ الْبَيْعَ بِأَبْدَانِهِمَا، عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ الَّذِي تُعَاقَدَاهُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ التَّفَاسُخِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: اخْتَصَمَ رَجُلَانِ بَاعَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ بُرْنُسًا، فَقَالَ: إِنِّي بِعْتُ مِنْ هَذَا بُرْنُسًا، فَاسْتَرْضَيْتُهُ فَلَمْ يُرْضِنِي!! فَقَالَ: أَرْضِهِ كَمَا أَرْضَاكَ. قَالَ: إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَرْضَ! قَالَ: أَرْضِهِ كَمَا أَرْضَاكَ. قَالَ: قَدْ أَرْضَيْتُهُ فَلَمْ يَرْضَ! فَقَالَ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ شُرَيْحٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو الضُّحَى، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ قَالَ أَبُو الضُّحَى: كَانَ شُرَيْحٌ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ. وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الطَّحَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي حَوْشَبٍ، عَنْ مَيْمُونٍ قَالَ: اشْتَرَيْتُ مِنَ ابْنِ سِيرِينَ سَابِرِيًّا، فَسَامَ عَلَيَّ سَوْمَهُ، فَقُلْتُ: أَحْسِنْ! فَقَالَ: إِمَّا أَنْ تَأْخُذَ وَإِمَّا أَنْ تَدَعَ. فَأَخَذْتُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَزَنْتُ الثَّمَنَ وَضَعَ الدَّرَاهِمَ فَقَالَ: اخْتَرْ، إِمَّا الدَّرَاهِمَ، وَإِمَّا الْمَتَاعَ. فَاخْتَرْتُ الْمَتَاعَ فَأَخَذْتُهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْبَيِّعَيْنِ: إِنَّهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِذَا تَصَادَرَا فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ ظَبْيَةَ قَالَ: كُنْتُ فِي السُّوقِ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي السُّوقِ، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ إِلَى بَيِّعِ فَاكِهَةٍ بِدِرْهَمٍ، فَقَالَتْ: أَعْطِنِي هَذَا. فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ، فَقَالَتْ: لَا أُرِيدُهُ، أَعْطِنِي دِرْهَمِي! فَأَبَى، فَأَخَذَهُ مِنْهُ عَلِيٌّ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ أُتِيَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بِرْذَوْنًا وَوَجَبَ لَهُ، ثُمَّ إِنَّ الْمُبْتَاعَ رَدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، فَقَضَى أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ، فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَبُو الضُّحَى: أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى فِي مِثْلِهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ. فَرَجَعَ الشَّعْبِيُّ إِلَى قَضَاءِ شُرَيْحٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْبَيِّعَيْنِ: إِذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي، أَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ لَهُ الْبَيْعَ، وَقَالَ الْبَائِعُ: لَمْ أُوجِبْ لَهُ قَالَ: شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أَنَّكُمَا افْتَرَقْتُمَا عَنْ تَرَاضٍ بَعْدَ بَيْعٍ أَوْ تَخَايُرٍ، وَإِلَّا فَيَمِينُ الْبَائِعِ: أَنَّكُمَا [مَا] افْتَرَقْتُمَا عَنْ بَيْعٍ وَلَا تَخَايُرٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ. قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ: شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ أَنَّكُمَا افْتَرَقْتُمَا عَنْ تَرَاضٍ بَعْدَ بَيْعٍ وَتَخَايُرٍ، وَإِلَّا فَيَمِينُهُ بِاللَّهِ: مَا تَفَرَّقْتُمَا عَنْ تَرَاضٍ بَعْدَ بَيْعٍ أَوْ تَخَايُرٍ. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ أَنَّهُمَا تَفَرَّقَا عَنْ تَرَاضٍ بَعْدَ بَيْعٍ أَوْ تَخَايُرٍ. وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، مَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّ بَيِّعَيْنِ فَلَا بَيْعَ بَيْنِهِمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ خِيَارًا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ، كَانَ أَبُو زَرْعَةَ إِذَا بَايَعَ رَجُلًا يَقُولُ لَهُ: خَيِّرْنِي! ثُمَّ يَقُولُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ لَا يَفْتَرِقُ اثْنَانِ إِلَّا عَنْ رِضًى “. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَهْلَ الْبَقِيعِ! فَسَمِعُوا صَوْتَهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ الْبَقِيعِ! فَاشْرأَبُّوا يَنْظُرُونَ، حَتَّى عَرَفُوا أَنَّهُ صَوْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ الْبَقِيعِ! لَا يَتَفَرَّقَنَّ بَيِّعَانِ إِلَّا عَنْ رِضًى. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايَعَ رَجُلًا ثُمَّ قَالَ لَهُ: اخْتَرْ. فَقَالَ: قَدِ اخْتَرْتُ. فَقَالَ: هَكَذَا الْبَيْعُ. قَالُوا: فَالتِّجَارَةُ عَنْ تَرَاضٍ، هُوَ مَا كَانَ عَلَى مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَخْيِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ فِي إِمْضَاءِ الْبَيْعِ فِيمَا يَتَبَايَعَانِهِ بَيْنَهُمَا أَوْ نَقْضِهِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا وَقَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ مَا تَفَرَّقَا عَنْهُ بِأَبْدَانِهِمَا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بَعْدَ مُوَاجَبَةِ الْبَيْعِ فِيهِ عَنْ مَجْلِسِهِمَا. فَمَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ مِنَ التِّجَارَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ التَّرَاضِي فِي التِّجَارَةِ، تَوَاجُبُ عَقْدَ الْبَيْعِ فِيمَا تَبَايَعَهُ الْمُتَبَايِعَانِ بَيْنَهُمَا عَنْ رِضًى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: مَا مُلِّكَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَمُلِّكَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ، افْتَرَقَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَفْتَرِقَا، تَخَايَرَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَمْ يَتَخَايَرَا فِيهِ بَعْدَ عَقْدِهِ. وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ: أَنَّ الْبَيْعَ إِنَّمَا هُوَ بِالْقَوْلِ، كَمَا أَنَّ النِّكَاحَ بِالْقَوْلِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْإِجْبَارِ فِي النِّكَاحِ لِأَحَدِ الْمُتَنَاكِحَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ، افْتَرَقَا أَوْ لَمْ يَفْتَرِقَا عَنْ مَجْلِسِهِمَا الَّذِي جَرَى ذَلِكَ فِيهِ. قَالُوا: فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبَيْعِ. وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا “، عَلَى أَنَّهُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِالْقَوْلِ. وَمِمَّنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ التِّجَارَةَ الَّتِي هِيَ عَنْ تَرَاضٍ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، مَا تَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ عَنِ الْمَجْلِسِ الَّذِي تَوَاجَبَا فِيهِ بَيْنَهُمَا عُقْدَةَ الْبَيْعِ بِأَبْدَانِهِمَا، عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا، وَعَنْ تَخْيِيرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَا:- حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ “ وَرُبَّمَا قَالَ: “ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ “. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحًا، فَلَيْسَ يَخْلُو قَوْلُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِصَاحِبِهِ: “ اخْتَرْ “، مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ، أَوْ مَعَهُ، أَوْ بَعْدَهُ. فَإِنْ يَكُنْ قَبْلَهُ، فَذَلِكَ الْخَلْفُ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالِكًا، فَيَكُونُ لِتَخْيِيرِهِ صَاحِبَهِ فِيمَا مَلَكَ عَلَيْهِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ وَلَا فِيهِمَا مَنْ يَجْهَلُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي تَمْلِيكِ صَاحِبِهِ مَا هُوَ لَهُ غَيْرُ مَالِكٍ بِعِوَضٍ يَعْتَاضُهُ مِنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: “ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِيمَا تُرِيدُ أَنْ تُحْدِثَهُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ “. أَوْ يَكُونَ- إِذْ بَطَلَ هَذَا الْمَعْنَى- تَخْيِيرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مَعَ عَقْدِ الْبَيْعِ. وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ، نَظِيرُ مَعْنَى التَّخْيِيرِ قَبْلَهَا. لِأَنَّهَا حَالَةٌ لَمْ يَزُلْ فِيهَا عَنْ أَحَدِهِمَا مَا كَانَ مَالِكَهُ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى صَاحِبِهِ، فَيَكُونُ لِلتَّخْيِيرِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ. أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ، إِذْ فَسَدَ هَذَانَ الْمَعْنَيَانِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، صَحَّ أَنَّ الْمَعْنَى الْآخَرَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْنِي قَوْلَهُ: “ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا “- إِنَّمَا هُوَ التَّفَرُّقُ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ، كَمَا كَانَ التَّخْيِيرُ بَعْدَهُ. وَإِذْ صَحَّ ذَلِكَ، فَسَدَ قَوْلُ مِنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ التَّفَرُّقُ بِالْقَوْلِ الَّذِي بِهِ يَكُونُ الْبَيْعُ. وَإِذْ فَسَدَ ذَلِكَ، صَحَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ التَّخْيِيرَ وَالِافْتِرَاقَ إِنَّمَا هُمَا مَعْنَيَانِ بِهِمَا يَكُونُ تَمَامُ الْبَيْعِ بَعْدَ عَقْدِهِ، وَصَحَّ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: “ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ “: إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْلُكُمُ الْأَمْوَالَ الَّتِي يَأْكُلُهَا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، عَنْ مِلْكٍ مِنْكُمْ عَمَّنْ مَلَكْتُمُوهَا عَلَيْهِ، بِتِجَارَةٍ تَبَايَعْتُمُوهَا بَيْنَكُمْ، وَافْتَرَقْتُمْ عَنْهَا عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ بَيْنَكُمْ بِأَبْدَانِكُمْ، أَوْ تَخْيِيرِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: “ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ “، وَلَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَأَنْتُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَدَعْوَةٍ وَاحِدَةٍ، وَدِينٍ وَاحِدٍ. فَجَعَلَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَهْلَ الْإِسْلَامِ كُلَّهُمْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَجَعَلَ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ قَتِيلًا فِي قَتْلِهِ إِيَّاهُ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ قَتْلِهِ نَفْسَهُ، إِذْ كَانَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ أَهْلَ يَدٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَنْ خَالَفَ مِلَّتَهُمَا. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ “، يَقُولُ: أَهْلُ مَلَّتِكُمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: “ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ “، قَالَ: قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: “ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا “، فَإِنَّهُ يَعْنِي: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَزَلْ “ رَحِيمًا “ بِخَلْقِهِ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ بِكُمْ كَفُّ بَعْضِكُمْ عَنْ قَتْلِ بَعْضٍ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، بِتَحْرِيمِ دِمَاءِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحَظْرِ أَكْلِ مَالِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ، إِلَّا عَنْ تِجَارَةٍ يَمْلِكُ بِهَا عَلَيْهِ بِرِضَاهُ وَطِيبِ نَفْسِهِ، لَوْلَا ذَلِكَ هَلَكْتُمْ وَأَهْلَكَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا قَتْلًا وَسَلْبًا وَغَصْبًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: “ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا “. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ يَقْتُلْ نَفْسَهُ، بِمَعْنَى: وَمَنْ يَقْتُلْ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ “ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا “.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: “ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا “، فِي كُلِّ ذَلِكَ، أَوْ فِي قَوْلِهِ: “ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ “؟ قَالَ: بَلْ فِي قَوْلِهِ: “ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ “. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ يَفْعَلْ مَا حَرَّمْتُهُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى قَوْلِهِ: “ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ “ مِنْ نِكَاحِ مَنْ حَرَّمْتُ نِكَاحَهُ، وَتَعَدَّى حُدُودَهُ، وَأَكَلَ أَمْوَالَ الْأَيْتَامِ ظُلْمًا، وَقَتَلَ النَّفْسَ الْمُحَرَّمِ قَتْلُهَا ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ يَأْكُلْ مَالَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ ظُلْمًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، وَقَتَلَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ ظُلْمًا، فَسَوْفَ نُصَلِّيهِ نَارًا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ: وَمَنْ يَفْعَلْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، مِنْ قَوْلِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) إِلَى قَوْلِهِ: “ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ “، مِنْ نِكَاحِ الْمُحْرَمَاتِ، وَعَضْلِ الْمُحَرَّمِ عَضْلُهَا مِنَ النِّسَاءِ، وَأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَقَتْلِ الْمُحَرَّمِ قَتْلُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ الْعُقُوبَةَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَجْعَلَ قَوْلَهُ: “ ذَلِكَ “، مَعْنِيًّا بِهِ جَمِيعَ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ؟ قِيلَ: مَنَعَنِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ فَصْلٍ مِنْ ذَلِكَ قَدْ قُرِنَ بِالْوَعِيدِ، إِلَى قَوْلِهِ: (أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)، وَلَا ذِكْرَ لِلْعُقُوبَةِ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي الْآيِ الَّتِي بَعْدَهُ إِلَى قَوْلِهِ: “ فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا “. فَكَانَ قَوْلُهُ: “ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ “، مَعْنِيًّا بِهِ مَا قُلْنَا، مِمَّا لَمْ يُقْرَنْ بِالْوَعِيدِ، مَعَ إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَوَعَّدَ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ مَا سَلَفَ فِيهِ الْوَعِيدُ بِالنَّهْيِ مَقْرُونًا قَبْلَ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ عُدْوَانًا “، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ تَجَاوُزًا لِمَا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ، إِلَى مَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِ “ وُظلْمًا “، يَعْنِي: فِعْلًا مِنْهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ اللَّهُ بِهِ، وَرُكُوبًا مِنْهُ مَا قَدْ نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: “ فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا “، يَقُولُ: فَسَوْفَ نُورِدُهُ نَارًا يَصْلَى بِهَا فَيَحْتَرِقُ فِيهَا “ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا “، يَعْنِي: وَكَانَ إِصْلَاءُ فَاعِلِ ذَلِكَ النَّارَ وَإِحْرَاقُهُ بِهَا، عَلَى اللَّهِ سَهْلًا يَسِيرًا، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَلَى رَبِّهِ مِمَّا أَرَادَ بِهِ مِنْ سُوءٍ. وَإِنَّمَا يَصْعُبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعِيدِ لِمَنْ تَوَعَّدَهُ، عَلَى مَنْ كَانَ إِذَا حَاوَلَ الْوَفَاءَ بِهِ قَدَرَ الْمُتَوَعَّدُ مِنَ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ. فَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي قَبْضَةِ مُوعِدِهِ، فَيَسِيرٌ عَلَيْهِ إِمْضَاءُ حُكْمِهِ فِيهِ، وَالْوَفَاءُ لَهُ بِوَعِيدِهِ، غَيْرُ عَسِيرٍ عَلَيْهِ أَمْرٌ أَرَادَهُ بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى “ الْكَبَائِرِ “ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ بِاجْتِنَابِهَا تَكْفِيرَ سَائِرِ سَيِّئَاتِهِمْ عَنْهُمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْكَبَائِرُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: “ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ “، هِيَ مَا تَقَدَّمَ اللَّهُ إِلَى عِبَادِهِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ مِنْ أَوَّلِ “ سُورَةِ النِّسَاءِ “ إِلَى رَأْسِ الثَّلَاثِينَ مِنْهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْكَبَائِرُ، مِنْ أَوَّلِ “ سُورَةِ النِّسَاءِ “ إِلَى ثَلَاثِينَ مِنْهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْكَبَائِرُ، مِنْ أَوَّلِ “ سُورَةِ النِّسَاءِ “ إِلَى قَوْلِهِ: “ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ “. حَدَّثَنَا الرِّفَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَأَبُو خَالِدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْكَبَائِرُ، مِنْ أَوَّلِ “ سُورَةِ النِّسَاءِ “ إِلَى قَوْلِهِ: “ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ “. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ عَنِ الْكَبَائِرِ، قَالَ: مَا بَيْنَ فَاتِحَةِ “ سُورَةِ النِّسَاءِ “ إِلَى رَأْسِ الثَّلَاثِينَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْكَبَائِرُ، مَا بَيْنَ فَاتِحَةِ “ سُورَةِ النِّسَاءِ “ إِلَى ثَلَاثِينَ آيَةً مِنْهَا: “ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ “. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: الْكَبَائِرُ، مِنْ أَوَّلِ “ سُورَةِ النِّسَاءِ “ إِلَى الثَّلَاثِينَ مِنْهَا: “ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ “. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْكَبَائِرَ فِيمَا بَيْنَ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ “ سُورَةِ النِّسَاءِ “، إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ: “ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ “. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْكَبَائِرُ، مِنْ أَوَّلِ “ سُورَةِ النِّسَاءِ “ إِلَى ثَلَاثِينَ آيَةً مِنْهَا. ثُمَّ تَلَا “ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا “. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الْكَبَائِرُ مَا بَيْنَ أَوَّلِ “ سُورَةِ النِّسَاءِ “ إِلَى رَأْسِ الثَّلَاثِينَ. وَقَالَ آخَرُونَ: “ الْكَبَائِرُ سَبْعٌ “.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِنِّي لَفِي هَذَا الْمَسْجِدِ، مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، وَعَلِيٌّ يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: “ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِ الْكَبَائِرَ سَبْعٌ “، فَأَصَاخَ النَّاسُ، فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ: أَلَّا تَسْأَلُونِي عَنْهَا؟ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا هِيَ؟ قَالَ: “ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ “. فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَهْ، مَا التَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ؟ كَيْفَ لَحِقَ هَاهُنَا؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، وَمَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُهَاجِرَ الرَّجُلُ، حَتَّى إِذَا وَقَعَ سَهْمُهُ فِي الْفَيْءِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، خَلْعَ ذَلِكَ مِنْ عُنُقِهِ، فَرَجَعَ أَعْرَابِيًّا كَمَا كَانَ!!. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ، لَيْسَ مِنْهُنَّ كَبِيرَةٌ إِلَّا وَفِيهَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ مِنْهُنَّ: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ) [سُورَةُ الْحَجِّ: 31] وَ(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 10]، وَ(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 275]، وَ(الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) [سُورَةُ النُّورِ: 23]، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 15]، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 25]، وَقَتْلُ النَّفْسِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)، وَقَتْلُ النَّفْسِ: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ) الْآيَةَ، [سُورَةُ النِّسَاءِ: 93]، وَأَكْلُ الرِّبَا: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) الْآيَةَ، وَأَكْلُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) الْآيَةَ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةَ: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) الْآيَةَ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ) الْآيَةَ، [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 16] وَالْمُرْتَدُّ أعرابيًا بَعْدَ هِجْرَتِهِ: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) الْآيَةَ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنِ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَفِرَارٌ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالْبُهْتَانِ. قَالَ: وَيَقُولُونَ: أَعْرَابِيَّةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: فَقُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: فَالسِّحْرُ؟ قَالَ: إِنَّ الْبُهْتَانَ يَجْمَعُ شَرًّا كَثِيرًا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ وَهِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْحَرَامِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالْمُرْتَدُّ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ هِجْرَتِهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ بِنَحْوِهِ. وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ قَالَ، حَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ: أَخْبَرَنِي صُهَيْبُ مَوْلَى الْعُتْوَارِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولَانِ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَكَبَّ، فَأَكَبَّ كُلُّ رَجُلٍ، مِنَّا يَبْكِي، لَا يَدْرِي عَلَى مَاذَا حَلَفَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَفِي وَجْهِهِ الْبِشْرُ، فَكَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، فَقَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ، وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: ادْخُلْ بِسَلَامٍ “. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ: قَتْلُ النَّفْسِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ. وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ تِسْعٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ، عَنْ طَيْسَلَةَ بْنِ مَيَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّجَدَاتِ، فَأَصَبْتُ ذُنُوبًا لَا أَرَاهَا إِلَّا مِنَ الْكَبَائِرِ! فَلَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ فَقُلْتُ: أَصَبْتُ ذُنُوبًا لَا أَرَاهَا إِلَّا مِنَ الْكَبَائِرِ! قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: أَصَبْتُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: لَيْسَ مِنَ الْكَبَائِرِ قَالَ: لِشَيْءٍ لَمْ يُسَمِّهِ طَيْسَلَةُ قَالَ: هِيَ تِسْعٌ، وَسَأَعُدُّهُنَّ عَلَيْكَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّسَمَةِ بِغَيْرِ حِلِّهَا، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْمًا، وَإِلْحَادٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالَّذِي يَسْتَسْحِرُ، وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْعُقُوقِ قَالَ زِيَادٌ: وَقَالَ طَيْسَلَةَ: لَمَّا رَأَى ابْنُ عُمَرَ فَرَقِي قَالَ أَتُخَافُ النَّارَ أَنْ تَدْخُّلَهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قُلْتُ: عِنْدِي أُمِّي. قَالَ: فَوَاللَّهِ لَئِنْ أَنْتَ أَلَنْتَ لَهَا الْكَلَامَ، وَأَطْعَمْتَهَا الطَّعَامَ، لَتَدْخُلُنَّ الْجَنَّةَ مَا اجْتَنَبْتَ الْمُوجِبَاتِ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ الْخَرَّازُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ، أَخْبَرَنَا سَلَمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ طَيْسَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ النَّهْدِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ وَهُوَ فِي ظِلِّ أَرَاكٍ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، قَالَ قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ: هِيَ تِسْعٌ. قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ قَالَ قُلْتُ: قَبْلَ الْقَتْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَرَغْمًا , وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالسِّحْرِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَإِلْحَادٌ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ، قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ الْخَرَّازُ قَالَ، أَخْبَرَنَا سَلَمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: بَدَأَ بِالْقَتْلِ قَبْلَ الْقَذْفِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ أَرْبَعٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُطَّرِفٌ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ الْكَبَائِرَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ، سَمِعْتُ مُطَرِّفًا، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الْكَبَائِرُ أَرْبَعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْكَبَائِرُ أَرْبَعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. وَبِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْكَبَائِرُ أَرْبَعٌ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَالْأَمْنُ لِمَكْرِ اللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْكَبَائِرُ: الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ لِمَكْرِ اللَّهِ، وَالشِّرْكُ بِاللَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْكَبَائِرُ فَقَالَ: كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَبِيرَةٌ وَقَدْ ذُكِرَتِ الطَّرْفَةُ، قَالَ: هِيَ النَّظْرَةُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ، قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي بِالْكَبَائِرِ السَّبْعِ. قَالَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعٍ وَسَبْعٍ فَمَا أَدْرِي كَمْ قَالَهَا مِنْ مَرَّةٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْكَبَائِرَ فَقَالُوا: هِيَ سَبْعٌ. قَالَ: هِيَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعٍ وَسَبْعٍ! قَالَ سُلَيْمَانُ: فَلَا أَدْرِي كَمْ قَالَهَا مِنْ مَرَّةٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ قَالَ: قَامَ أَبُو الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ عَلَى حَلْقَةٍ أَنَا فِيهَا فَقَالَ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: “ الْكَبَائِرُ سَبْعٌ “، وَقَدْ خِفْتُ أَنْ تَكُونَ الْكَبَائِرُ سَبْعِينَ أَوْ يَزِدْنَ عَلَى ذَلِكَ. حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو يُخْبِرُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ: أَسَبْعٌ هِيَ؟ قَالَ: هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَمُ الْكَبَائِرُ؟ أَسَبْعٌ هِيَ؟ قَالَ: إِلَى سَبْعِمِائَةٍ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى سَبْعٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ الَّتِي ذَكَرَهُنَّ اللَّهُ؟ مَا هُنَّ؟ قَالَ: هُنَّ إِلَى السَّبْعِينَ أَدْنَى مِنْهَا إِلَى سَبْعٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ؟ قَالَ: هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدَانَ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ قَالَ: سَأَلَتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْكَبَائِرِ، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ عُصِيَ اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ ثَلَاثٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْكَبَائِرُ ثَلَاثٌ: الْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: كُلُّ مُوجِبَةٍ، وَكُلُّ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ أَهْلَهُ عَلَيْهِ النَّارَ، فَكَبِيرَةٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ “، قَالَ: “ الْكَبَائِرُ “، كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ، أَوْ غَضَبٍ، أَوْ لَعْنَةٍ، أَوْ عَذَابٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ قَالَ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُلُّ مُوجِبَةٍ فِي الْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْزَمٍ الشَّعَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُلُّ ذَنْبٍ نَسَبَهُ اللَّهُ إِلَى النَّارِ، فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَالِمٍ: أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ: كُلُّ مُوجِبَةٍ فِي الْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: “ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ “، قَالَ: الْمُوجِبَاتُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: الْكَبَائِرُ: كُلُّ مُوجِبَةٍ أَوْجَبَ اللَّهُ لِأَهْلِهَا النَّارَ. وَكُلُّ عَمَلٍ يُقَامُ بِهِ الْحَدُّ، فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي ذَلِكَ، مَا ثَبَتَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَبَائِرَ أَوْ: سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ. فَقَالَ: أَلَّا أُنْبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَبَائِرِ قَالَ: “ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَقَوْلُ الزُّورِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ذَكَرُوا الْكَبَائِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ. أَلَّا أُنُبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قَوْلُ الزُّورِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ: قَتْلُ النَّفْسِ،- شُعْبَةُ الشَّاكُّ- وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ. حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ. قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: مَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ وَهُوَ فِيهَا كَاذِبٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي السَرِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي رُهْمٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ، وَأَتَى الزَّكَاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ. قِيلَ: وَمَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ. حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلْمَانَ الْأَغَرِّ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانَ الْأَغَرِّ قَالَ: قَالَ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ عَقَبِيٌّ بَدْرِيٌّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَعْبُدُ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ. فَسَأَلُوهُ: مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرُوا الْكَبَائِرَ وَهُوَ مُتَّكِئٌ، فَقَالُوا: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَفِرَارٌ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ، وَالْغُلُولُ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ الرِّبَا: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ تَجْعَلُونَ: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا)؟ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 77]. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْكَلَ مَعَكَ، أَوْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ. وَقَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 68]. حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيُّ وَكَانَ عَلَى السِّجْنِ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلْتُ: أَيُّ الْعَمَلِ شَرٌّ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ، أَوْ تَزْنِيَ بِجَارَتِكَ. وَقَرَأَ عَلَيَّ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ “ الْكَبَائِرِ “ بِالصِّحَّةِ، مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ قَائِلٍ فِيهَا قَوْلًا مِنَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ، قَدِ اجْتَهَدَ وَبَالَغَ فِي نَفْسِهِ، وَلِقَوْلِهِ فِي الصِّحَّةِ مَذْهَبٌ. فَالْكَبَائِرُ إِذَنِ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ قَتْلُهَا، وَقَوْلُ الزُّورِ وَقَدْ يَدْخُلُ فِي “ قَوْلِ الزُّورِ “، شَهَادَةُ الزُّورِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَالسِحْرُ وَيَدْخُلُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ قَتْلُهَا، قَتْلُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَهُ , وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَالزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، صَحَّ كُلُّ خَبَرٍ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْنَى الْكَبَائِرِ، وَكَانَ بَعْضُهُ مُصَدِّقًا بَعْضًا. وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “ هِيَ سَبْعٌ “ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ حِينَئِذٍ: “ هِيَ سَبْعٌ “ عَلَى التَّفْصِيلِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: “ هِيَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ “ عَلَى الْإِجْمَالِ، إِذْ كَانَ قَوْلُهُ: “ وَقَوْلُ الزُّورِ “ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ شَتَّى، وَأَنْ يَجْمَعَ جَمِيعَ ذَلِكَ “ قَوْلُ الزُّورِ “. وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ الْفِرْيَابِيُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُ، فَإِنَّهُ عِنْدِي غَلَطٌ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُتَظَاهِرَةَ مِنَ الْأَوْجُهِ الصِّحَاحِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، “ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ “، فَنَقْلُهُمْ مَا نَقَلُوا مِنْ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ نَقْلِ الْفِرْيَابِيِّ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ مُجْتَنِبَهَا تَكْفِيرَ مَا عَدَاهَا مِنْ سَيِّئَاتِهِ، وَإِدْخَالَهُ مُدْخَلًا كَرِيمًا، وَأَدَّى فَرَائِضَهُ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ، وَجَدَ اللَّهَ لِمَا وَعَدَهُ مِنْ وَعْدٍ مُنْجِزًا، وَعَلَى الْوَفَاءِ لَهُ ثَابِتًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ “، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: نُكَفِّرُ عَنْكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، بِاجْتِنَابِكُمْ كَبَائِرَ مَا يَنْهَاكُمْ عَنْهُ رَبُّكُمْ، صَغَائِرَ سَيِّئَاتِكُمْ يَعْنِي: صَغَائِرَ ذُنُوبِكُمْ، كَمَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ “، الصَّغَائِرَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ نَاسًا لَقُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو بِمِصْرَ، فَقَالُوا: نَرَى أَشْيَاءَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، أُمِرَ أَنْ يُعْمَلَ بِهَا، لَا يُعْمَلُ بِهَا، فَأَرَدْنَا أَنْ نَلْقَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ؟ فَقَدِمَ وَقَدِمُوا مَعَهُ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: مَتَى قَدِمْتَ؟ قَالَ: مُنْذُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: أَبِإِذْنٍ قَدِمْتَ؟ قَالَ: فَلَا أَدْرِي كَيْفَ رَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ نَاسًا لَقُونِي بِمِصْرَ فَقَالُوا: “ إِنَّا نَرَى أَشْيَاءَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أُمِرَ أَنْ يُعْمَلَ بِهَا وَلَا يُعْمَلُ بِهَا “، فَأَحَبُّوا أَنْ يُلْقُوكَ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: اجْمَعْهُمْ لِي. قَالَ: فَجَمَعْتُهُمْ لَهُ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: أَظُنُّهُ قَالَ: فِي بَهْوٍ فَأَخَذَ أَدْنَاهُمْ رَجُلًا فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَبِحَقِّ الْإِسْلَامِ عَلَيْكَ، أَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ، فَهَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي نَفْسِكَ؟ قَالَ، اللَّهُمَّ لَا! قَالَ: وَلَوْ قَالَ: “ نَعَمْ “ لَخَصَمَهُ قَالَ: فَهَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي بَصَرِكَ؟ هَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي لَفْظِكَ؟ هَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي أَثَرِكَ؟ قَالَ: ثُمَّ تَتَبَّعَهُمْ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهِمْ، فَقَالَ: ثَكِلَتْ عُمَرَ أُمُّهُ! أَتُكَلِّفُونَهُ أَنْ يُقِيمَ النَّاسَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ؟ قَدْ عَلِمَ رَبُّنَا أَنْ سَتَكُونُ لَنَا سَيِّئَاتٌ. قَالَ: وَتَلَا “ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا “. هَلْ عَلِمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَوْ قَالَ: هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ بِمَا قَدِمْتُمْ؟ قَالُوا، لَا! قَالَ: لَوْ عَلِمُوا لَوَعَظْتُ بِكُمْ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا قَالَ: لَمْ نَرَ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ رَبِّنَا، ثُمَّ لَمْ نَخْرُجْ لَهُ عَنْ كُلِّ أَهْلٍ وَمَالٍ! ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْهَةً، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّفَنَا رَبُّنَا أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ! لَقَدْ تَجَاوَزَ لَنَا عَمَّا دُونَ الْكَبَائِرِ! فَمَا لَنَا وَلَهَا؟ ثُمَّ تَلَا “ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ “ الْآيَةَ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: “ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ “ الْآيَةُ، إِنَّمَا وَعَدَ اللَّهُ الْمَغْفِرَةَ لِمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ. وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “ اجْتَنَبُوا الْكَبَائِرَ، وَسَدِّدُوا، وَأَبْشِرُوا “. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: فِي خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ “ سُورَةِ النِّسَاءِ “: لَهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) وَقَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 40]، وَقَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 48، ]، وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 110]، وَقَوْلُهُ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 152]. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ثَمَانِ آيَاتٍ نَـزَلَتْ فِي “ سُورَةِ النِّسَاءِ “، هِيَ خَيْرٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ، أُولَاهُنَّ: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 26]، وَالثَّانِيَةُ: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 27]، وَالثَّالِثَةُ: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 28]، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ سَوَاءً، وَزَادَ فِيهِ: ثُمَّ أَقْبَلَ يُفَسِّرُهَا فِي آخِرِ الْآيَةِ: وَكَانَ اللَّهُ لِلَّذِينِ عَمِلُوا الذُّنُوبَ غَفُورًا رَحِيمًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا “، فَإِنَّ الْقَرَأَةَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (وَنُدْخِلْكُمْ مَدْخَلًا كَرِيمًا)بِفَتْحِ “ الْمِيمِ “، وَكَذَلِكَ الَّذِي فِي “ الْحَجِّ “: (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مَدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ) [سُورَةُ الْحَجِّ: 59]، فَمَعْنَى: “ وَنُدْخِلْكُمْ مَدْخَلًا “، فَيُدْخَلُونَ دُخُولًا كَرِيمًا. وَقَدْ يُحْتَمَلُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي “ الْمَدْخَلِ “: الْمَكَانَ وَالْمَوْضِعَ. لِأَنَّ الْعَرَبَ رُبَّمَا فَتَحَتِ “ الْمِيمَ “ مِنْ ذَلِكَ بِهَذَا الْمَعْنَى، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ: بِمَصْبَحِ الْحَمْدِ وَحَيْثُ نُمْسِي وَقَدْ أَنْشَدَنِي بَعْضُهُمْ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ: الْحَـمْدُ لِلِـهِ مَمْسَـانَا وَمَصْبَحَنَـا بِـالْخَيْرِ صَبَّحَنَـا رَبِّـي وَمَسَّـانَا وَأَنْشَدَنِي آخَرُ غَيْرُهُ: الْحَمْدُ لِلِهِ مُمْسَانَا وَمُصْبَحَنَا لِأَنَّهُ مَنْ “ أَصْبَحَ “ “ وَأَمْسَى “. وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِيمَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ بِنَاؤُهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ، تَضُمُّ مِيمَهُ فِي مِثْلِ هَذَا فَتَقُولُ: “ دَحْرَجْتُهُ أُدَحْرِجُهُ مُدَحْرَجًا، فَهُوَ مُدَحْرَجٌ “. ثُمَّ تَحْمِلُ مَا جَاءَ عَلَى “ أَفْعَلَ يُفْعِلُ “ عَلَى ذَلِكَ. لِأَنَّ “ يُفْعِلُ “، مَنْ “ يُدْخِلُ “، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَإِنَّ أَصْلَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى “ يُؤَفْعِلُ “، “ يُؤَدْخِلُ “ وَ“ يُؤَخْرِجُ “، فَهُوَ نَظِيرُ “ يُدَحْرِجُ “. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: “ مُدْخَلًا “ بِضَمِّ “ الْمِيمِ “، يَعْنِي: وَنُدْخِلُكُمْ إِدْخَالًا كَرِيمًا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) بِضَمِّ “ الْمِيمِ “، لِمَا وَصَفْنَا، مِنْ أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ بِنَاؤُهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ فِي “ فَعَلَ “، فَالْمَصْدَرُ مِنْهُ “ مُفْعَلٌ “. وَأَنَّ “ أَدْخَلَ “ وَ“ دَحْرَجَ “ “ فَعَلَ “ مِنْهُ عَلَى أَرْبَعَةٍ. فَـ “ الْمُدْخَلُ “ مَصْدَرُهُ أَوْلَى مِنْ “ مُفْعَلٍ “، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ أَفْصَحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَصَادِرِ مَا جَاءَ عَلَى “ أَفْعَلَ “، كَمَا يُقَالُ: “ أَقَامَ بِمَكَانٍ فَطَابَ لَهُ الْمُقَامُ “، إِذْ أُرِيدَ بِهِ الْإِقَامَةَ وَ“ قَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَهُوَ فِي مَقَامٍ وَاسِعٍ “، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) [سُورَةُ الدُّخَانِ: 51]، مِنْ “ قَامَ يَقُومُ “. وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ “ الْإِقَامَةُ “ لَقُرِئَ: “ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مُقَامٍ أَمِينٍ “ كَمَا قُرِئَ: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 80]، بِمَعْنَى “ الْإِدْخَالِ “ وَ“ الْإِخْرَاجِ “. وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ قَرَأَ: “ مَدْخَلَ صِدْقٍ “، وَلَا “ مَخْرَجَ صِدْقٍ “ بِفَتْحِ “ الْمِيمِ “. وَأَمَّا “ الْمُدْخَلُ الْكَرِيمُ “، فَهُوَ: الطَّيِّبُ الْحَسَنُ، الْمُكَرَّمُ بِنَفْيِ الْآفَاتِ وَالْعَاهَاتِ عَنْهُ، وَبِارْتِفَاعِ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ وَدُخُولِ الْكَدَرِ فِي عَيْشِ مَنْ دَخَلَهُ، فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ اللَّهُ كَرِيمًا، كَمَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا “، قَالَ: “ الْكَرِيمُ “، هُوَ الْحَسَنُ فِي الْجَنَّةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَا تَشْتَهُوا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ نَـزَلَ فِي نِسَاءٍ تَمَنَّيْنَ مَنَازِلَ الرِّجَالِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَا لَهُمْ، فَنَهَى اللَّهُ عِبَادَهُ عَنِ الْأَمَانِيِّ الْبَاطِلَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوهُ مِنْ فَضْلِهِ، إِذْ كَانَتِ الْأَمَانِيُّ تُوَرِثُ أَهْلَهَا الْحَسَدَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ. ذِكْرُ الْأَخْبَارِ بِمَا ذَكَرْنَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا نُعْطَى الْمِيرَاثَ، وَلَا نَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَنُقْتَلُ؟ فَنَزَلَتْ: “ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ “. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: تَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا نَغْزُو، وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ! فَنَزَلَتْ: “ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ “، وَنَـزَلَتْ: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ) [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 35]. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ “، يَقُولُ: لَا يَتَمَنَّى الرَّجُلُ يَقُولُ: “ لَيْتَ أَنَّ لِي مَالَ فُلَانٍ وَأَهْلَهُ “! فَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لِيَسْأَلِ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: “ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ “، قَالَ: قَوْلُ النِّسَاءِ: “ لَيْتَنَا رِجَالًا فَنَغْزُوَ وَنَبْلُغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ “! حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ “، قَوْلُ النِّسَاءِ يَتَمَنَّيْنَ: “ لَيْتَنَا رِجَالٌ فَنَغْزُوَ “! ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، أَتَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا نَغْزُو، وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ؟ فَنَزَلَتْ: “ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ “. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَوْلُهُ: “ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ “، قَالَ: كَانَ النِّسَاءُ يَقُلْنَ: “ لَيْتَنَا رِجَالٌ فَنُجَاهِدَ كَمَا يُجَاهِدُ الرِّجَالُ، وَنَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ “! فَقَالَ اللَّهُ: “ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ “. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: تَتَمَنَّى مَالَ فُلَانٍ وَمَالَ فُلَانٍ! وَمَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ هَلَاكَهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ! حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ: أَنَّهُمَا قَالَا: نَـزَلَتْ فِي أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ. وَبِهِ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: هُوَ الْإِنْسَانُ، يَقُولُ: “ وَدِدْتُ أَنَّ لِي مَالَ فُلَانٍ “! قَالَ: “ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ “، وَقَوْلُ النِّسَاءِ: “ لَيْتَ أَنَا رِجَالًا فَنَغْزُوَ وَنَبْلُغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ “! وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَتَمَنَّ بَعْضُكُمْ مَا خَصَّ اللَّهُ بَعْضًا مِنْ مَنَازِلِ الْفَضْلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ: “ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ “، فَإِنَّ الرِّجَالَ قَالُوا: “ نُرِيدُ أَنْ يَكُونَ لَنَا مِنَ الْأَجْرِ الضِّعْفُ عَلَى أَجْرِ النِّسَاءِ، كَمَا لَنَا فِي السِّهَامِ سَهْمَانِ، فَنُرِيدُ أَنْ يَكُونَ لَنَا فِي الْأَجْرِ أَجْرَانِ “. وَقَالَتِ النِّسَاءُ: “ نُرِيدُ أَنْ يَكُونَ لَنَا أَجْرٌ مِثْلُ أَجْرِ الرِّجَالِ، فَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُقَاتِلَ، وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْنَا الْقِتَالُ لَقَاتَلْنَا “! فأَنْـزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ، وَقَالَ لَهُمْ: سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، يَرْزُقْكُمُ الْأَعْمَالَ، وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: نُهِيتُمْ عَنِ الْأَمَانِيِّ، وَدُلِلْتُمْ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ: “ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ “. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا سَمِعَ الرَّجُلَ يَتَمَنَّى فِي الدُّنْيَا قَالَ: قَدْ نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْ هَذَا: “ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ “، وَدَلَّكُمْ عَلَى خَيْرٍ مِنْهُ: “ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ “. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: وَلَا تَتَمَنَّوْا، أَيُّهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، الَّذِي فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ مَنَازِلِ الْفَضْلِ وَدَرَجَاتِ الْخَيْرِ، وَلْيَرْضَ أَحَدُكُمْ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ نَصِيبٍ، وَلَكِنْ سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا، مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالْعِقَابِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ “ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ “ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ ذَلِكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: “ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ “، كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الْمَرْأَةَ شَيْئًا وَلَا الصَّبِيَّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَجْعَلُونَ الْمِيرَاثَ لِمَنْ يَحْتَرِفُ وَيَنْفَعُ وَيَدْفَعُ. فَلَمَّا نَجَزَ لِلْمَرْأَةِ نَصِيبَهَا وَلِلصَّبِيِّ نَصِيبَهُ، وَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، قَالَ النِّسَاءُ: “ لَوْ كَانَ جَعَلَ أَنْصِبَاءَنَا فِي الْمِيرَاثِ كَأَنْصِبَاءِ الرِّجَالِ “! وَقَالَ الرِّجَالُ: “ إِنَّا لَنَرْجُو أَنْ نُفَضَّلَ عَلَى النِّسَاءِ بِحَسَنَاتِنَا فِي الْآخِرَةِ، كَمَا فُضِّلْنَا عَلَيْهِنَّ فِي الْمِيرَاثِ “! فأنَـزَلَ اللَّهُ: “ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ “، يَقُولُ: الْمَرْأَةُ تُجْزَى بِحَسَنَتِهَا عَشْرَ أَمْثَالِهَا، كَمَا يُجْزَى الرَّجُلُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: “ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ “. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا حَرِيزٍ يَقُولُ: لَمَّا نَـزَلَ: “ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ “، قَالَتِ النِّسَاءُ: كَذَلِكَ عَلَيْهِمْ نَصِيبَانِ مِنَ الذُّنُوبِ، كَمَا لَهُمْ نَصِيبَانِ مِنَ الْمِيرَاثِ! فأنَـزَلَ اللَّهُ: “ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ “، يَعْنِي الذُّنُوبَ “ وَاسْأَلُوا اللَّهَ “، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ “ مَنْ فَضْلِهِ “. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا مِنْ مِيرَاثِ مَوْتَاهُمْ، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِنْهُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ “، يَعْنِي: مَا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ: يَقُولُ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ غَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ: “ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ “، قَالَ: فِي الْمِيرَاثِ، كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ مِمَّا اكْتَسَبُوا فَعَمِلُوهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لِلرِّجَالِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: “ تَأْوِيلُهُ: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِنْهُ “، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ نَصِيبًا مِمَّا اكْتَسَبَ. وَلَيْسَ الْمِيرَاثُ مِمَّا اكْتَسَبَهُ الْوَارِثُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالٌ أَوْرَثَهُ اللَّهُ عَنْ مَيِّتِهِ بِغَيْرِ اكْتِسَابٍ، وَإِنَّمَا “ الْكَسْبُ “ الْعَمَلُ، وَ“ الْمُكْتَسِبُ “: الْمُحْتَرِفُ. فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: “ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ “: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا وَرِثُوا، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا وَرِثْنَ. لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ: “ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا لَمْ يَكْتَسِبُوا، وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا لَمْ يَكْتَسِبْنَ “!!
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ عَوْنِهِ وَتَوْفِيقِهِ لِلْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ عَنْكُمْ مِنْ طَاعَتِهِ. فَفَضْلُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: تَوْفِيقُهُ وَمَعُونَتُهُ كَمَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنِ أَشْعَثَ، عَنْ سَعِيدٍ: “ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ “، قَالَ: الْعِبَادَةُ، لَيْسَتْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ لَيْثٍ قَالَ: “ فَضْلُهُ “، الْعِبَادَةُ، لَيْسَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: “ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ “، قَالَ: لَيْسَ بِعَرَضِ الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ وَأَسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ “، يَرْزُقْكُمُ الْأَعْمَالَ، وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَإِنَّ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ انْتِظَارَ الْفَرَجِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا يُصْلِحُ عِبَادَهُ- فِيمَا قَسَمَ لَهُمْ مِنْ خَيْرٍ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَضَائِهِ وَأَحْكَامِهِ فِيهِمْ “ عَلِيمًا “، يَقُولُ: ذَا عِلْمٍ. فَلَا تَتَمَنَّوْا غَيْرَ الَّذِي قَضَى لَكُمْ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِطَاعَتِهِ، وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِ، وَالرِّضَى بِقَضَائِهِ، وَمَسْأَلَتِهِ مِنْ فَضْلِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ}. يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: “ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ “، وَلِكُلِّكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ “ جَعَلْنَا مَوَالِيَ “، يَقُولُ: وَرَثَةٌ مِنْ بَنِي عَمِّهِ وَإِخْوَتِهِ وَسَائِرِ عَصَبَتِهِ غَيْرِهِمْ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي ابْنَ الْعَمِّ “ الْمَوْلَى “، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: وَمَـوْلًى رَمَيْنَـا حَوْلَـهُ وَهُـوَ مُدْغِلٌ *** بِأَعْرَاضِنَـا وَالْمُنْدِيَـاتِ سَـرُوعُ يَعْنِي بِذَلِكَ: وَابْنِ عَمٍّ رَمَيْنَا حَوْلَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ: مَهْـلًا بَنِـي عَمِّنَـا مَهْـلًا مَوَالِينَـا *** لَا تُظْهِـرُنَّ لَنَـا مَـا كَـانَ مَدْفُونَـا وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: “ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ “، قَالَ: وَرَثَةً. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ “، قَالَ: الْمَوَالِي، الْعَصَبَةُ، يَعْنِي الْوَرَثَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: “ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ “، قَالَ: الْمَوَالِي، الْعَصَبَةُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: “ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ “، قَالَ: هُمُ الْأَوْلِيَاءُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: “ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ “، يَقُولُ: عَصَبَةٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: “ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ “، قَالَ: الْمَوَالِي: أَوْلِيَاءُ الْأَبِ، أَوِ الْأَخِ، أَوِ ابْنِ الْأَخِ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْعَصَبَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ “، أَمَّا “ مَوَالِي “، فَهُمْ أَهْلُ الْمِيرَاثِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: “ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ “، قَالَ: الْمَوَالِي: الْعَصَبَةُ. هُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْمَوَالِيَ، فَلَمَّا دَخَلَتِ الْعَجَمُ عَلَى الْعَرَبِ لَمْ يَجِدُوا لَهُمُ اسْمًا، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 5]، فَسُمُّوا: “ الْمَوَالِيَ “، قَالَ: وَ“ الْمَوْلَى “ الْيَوْمَ مَوْلَيَانِ: مَوْلًى يَرِثُ وَيُورِثُ، فَهَؤُلَاءِ ذَوُو الْأَرْحَامِ- وَمَوْلًى يُورَثُ وَلَا يَرِثُ، فَهَؤُلَاءِ الْعَتَاقَةُ. وَقَالَ: أَلَّا تَرَوْنَ قَوْلَ زَكَرِيَّا: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي) [سُورَةُ مَرْيَمَ: 5]؟ فَالْمَوَالِي هَاهُنَا الْوَرَثَةُ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: “ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ “، مِمَّا تَرَكَهُ وَالِدُهُ وَأَقْرِبَاؤُهُ مِنَ الْمِيرَاثِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلِكُلِّكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، جَعَلْنَا عَصْبَةً يَرِثُونَ بِهِ مِمَّا تَرَكَ وَالِدُهُ وَأَقْرِبَاؤُهُ مِنْ مِيرَاثِهِمْ.
|